
نوفارا / ايطاليا — وسام القرقني
منذ أكثر من 38 سنة، يعيش محمد البوعلي، التونسي أصيل ولاية أريانة، في مدينة نوفارا الإيطالية، حيث اختار أن يكون صوتًا ودعمًا للجالية التونسية هناك. هو ليس مجرد مهاجر قديم، بل أحد الوجوه البارزة التي أسهمت في بناء جسور متينة بين الجالية والمؤسسات الإيطالية، عبر سنوات طويلة من العمل القانوني والاجتماعي.
تعود بدايات محمد البوعلي إلى أواخر التسعينات، حين لاحظ، من موقعه كمهاجر، حجم الصعوبات والإشكاليات التي تواجه أبناء الجالية في تسوية أوضاعهم القانونية أو فهم الإجراءات الإدارية الإيطالية. سنة 1997، قرّر أن يُحدث أول مكتب استشارات قانونية لفائدة الأجانب في نوفارا. لم يكن مشروعًا تجاريًا بقدر ما كان استجابة لحاجة ملحّة لدى الجالية، كما يقول لمقرّبيه، فكان هذا المكتب بمثابة نقطة تحول في حياة كثير من المهاجرين الذين وجدوا فيه ملاذًا ومرافقة حقيقية.
منذ ذلك التاريخ، لم يتوقف نشاط البوعلي عند تقديم الخدمات القانونية والإدارية فقط، بل توسّع ليشمل الجانب النقابي والحقوقي، إذ أصبح يتدخل في النزاعات الشغلية، ويقدّم النصح والمرافقة القانونية في قضايا تتعلق بالعمل، الرواتب، السكن، وحتى النزاعات الأسرية. يتعامل مع مختلف الدوائر الرسمية الإيطالية، من الداخلية إلى وزارة النقل والضمان الاجتماعي، وهو ما مكّنه من بناء شبكة علاقات واسعة سهّلت عليه خدمة آلاف الملفات.

المكتب الذي أسّسه محمد البوعلي يقدّم خدماته في اتجاهين رئيسيين: المهاجرون النظاميون الذين يستفيدون من خدمات تتعلق بتجديد رخص الإقامة، الالتحاق العائلي، التصريح بالدخل، عقود العمل، فتح الشركات ومتابعتها، والملفات الإدارية المعقدة. أما المهاجرون غير النظاميين، فيجدون في مكتبه أملًا في تسوية أوضاعهم، عبر تقديم ملفات لجوء، تسويات قانونية، أو حتى ملفات زواج.
إلى جانب عمله المهني، تم انتخابه رئيسًا لجمعية التونسيين بنوفارا، ومن ثمّ كاتبًا عامًا لرابطة الجمعيات الإيطالية المختصة بالمهاجرين في مقاطعة بيمونتي، وهي من بين أكبر التجمّعات النشيطة في مجال الهجرة بشمال إيطاليا.
محمد البوعلي يعتبر أن “الخدمة القنصلية ليست حكرًا على الإدارات، بل هي مسؤولية جماعية”؛ وقد ساهم في عديد الخدمات الميدانية للجالية التونسية في دائرتي ميلانو وجنوة، حيث يعرفه الجميع بلقب “الأب والأخ”، لما قدّمه من دعم إنساني ومهني، خاصة في اللحظات الصعبة.
رغم كل هذه السنوات، لا يُخفي البوعلي رغبته في مواصلة العمل، معتبرا أن “الواجب تجاه الجالية لا يُقاس بالسنوات، بل بالقدرة على العطاء والاستماع والوقوف إلى جانب الناس في الغربة”.
من مكتبه الصغير بنوفارا، استطاع أن يترك أثرًا كبيرًا في قلوب من خدمهم، وأن يبني نموذجًا يُحتذى به في العمل الجمعياتي الجاد، وهو اليوم من أبرز الأصوات التي تمثل الجالية التونسية في الساحة الإيطالية، بهدوئه، وإصراره، وخبرته الطويلة.